السمرى اون لاين

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
السمرى اون لاين منتدى شامل جامع لكل ما تبحث عنه فاحرص على الاشتراك والتسجيل فيه وتزويده بمواضيع قيمة

المواضيع الأخيرة

» farabi language school
عناية الأديان برعاية الفقراء Icon_minitimeالأربعاء يونيو 15, 2011 10:49 pm من طرف farabi language school

» حصريا المتصفح الاكثر استخداما فى العالم بنسخته الجديدة Internet Explorer 10.0 Platform Preview 1 على اكثر من سيرفر
عناية الأديان برعاية الفقراء Icon_minitimeالإثنين أبريل 18, 2011 2:33 pm من طرف z_e_z_o ali

» برنامج الستاند اب كوميدى " بنى آدم شو " الموسم الثانى - الحلقة الأولى
عناية الأديان برعاية الفقراء Icon_minitimeالإثنين أبريل 18, 2011 2:25 pm من طرف z_e_z_o ali

» رسالة طالب ثانوى علمي لحبيبته
عناية الأديان برعاية الفقراء Icon_minitimeالإثنين أبريل 18, 2011 2:18 pm من طرف z_e_z_o ali

» طفل يعرب كلمة "غزة "اعرابا تدمع له العين,,
عناية الأديان برعاية الفقراء Icon_minitimeالإثنين أبريل 18, 2011 2:17 pm من طرف z_e_z_o ali

» ماجد القلعى و البرنامج الكوميدى و تقليد المشاهير " لخبطة " متجدد يوميا على عدة سيرفرات
عناية الأديان برعاية الفقراء Icon_minitimeالإثنين أبريل 18, 2011 2:14 pm من طرف z_e_z_o ali

» فضل شاكر واغنية بنسى العالم
عناية الأديان برعاية الفقراء Icon_minitimeالخميس سبتمبر 16, 2010 3:43 pm من طرف Admin

» حسين الجاسمى واغنية مسلسل اهل كايرو
عناية الأديان برعاية الفقراء Icon_minitimeالخميس سبتمبر 16, 2010 3:38 pm من طرف Admin

» اغنية ادم فى مسلسل العار
عناية الأديان برعاية الفقراء Icon_minitimeالخميس سبتمبر 16, 2010 3:33 pm من طرف Admin

التبادل الاعلاني

احداث منتدى مجاني

    عناية الأديان برعاية الفقراء

    avatar
    Admin
    Admin


    ذكر عدد المساهمات : 80
    تاريخ التسجيل : 19/08/2010
    العمر : 38
    الموقع : شبرا الخيمة قليوبية

    عناية الأديان برعاية الفقراء Empty عناية الأديان برعاية الفقراء

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء سبتمبر 14, 2010 5:54 am

    لواقع أن الأديان كلها - حتى الوضعية منها التي لم تعرف لها صلة بكتاب سماوي - لم تغفل هذا الجانب الإنساني الاجتماعي، الذي لا يتحقق إخاء ولا حياة طيبة بدونه.
    وهكذا نجد في بلاد ما بين النهرين قبل أربعة آلاف سنة، كيف أن "حمورابي" في استهلال أول سجل للشرائع وجد حتى الآن، قال: إن الآلهة أرسلته لمنع الأقوياء من اضطهاد الضعفاء، وليرشد الناس، ويَؤَمِّن الرفاهية للخلق. وقبل آلاف السنين كان الناس في مصر القديمة يشعرون بأنهم يؤدون واجبًا دينيًا عندما يقولون: لقد أعطيت الخبز للجائع، والكساء للعارى، وحملتُ بزورقي أولئك الذين لم يستطيعوا العبور، وكنت أبًا لليتيم، وزوجًا للأرملة، ووقاءً للمقرور من عصف الريح (من محاضرة الدكتور "كارل شوبنز" في حلقة الدراسات الاجتماعية. الدورة الثالثة ص 546).

    عناية الأديان السماوية
    بيد أن الأديان السماوية كانت دعوتها إلى البر بالفقراء والضعفاء أجهر صوتًا، وأعمق أثرًا من كل فلسفة بَشرية، أو ديانة وضعية أو شريعة أرضية، ولا أحسب دعوة نبي من الأنبياء خلت من هذا الجانب بَيْدَ أن الأديان السماوية كانت دعوتها إلى البر بالفقراء والضعفاء أجهر صوتًا، وأعمق أثرًا، من كل فلسفة الإنساني الذي سماه القرآن " الزكاة ".
    ونحن إذا رجعنا في ذلك إلى القرآن الكريم - وهو أصح وثيقة سماوية بقيت للبَشر - وجدناه يتحدث عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب فيقول: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وكانوا لنا عابدين) (الأنبياء: 73).
    ويتحدث عن إسماعيل فيقول: (وأذكر في الكتاب إسماعيل، إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًا) (مريم: 54 - 55).
    ويتحدث عن ميثاقه لبنى إسرائيل فيقول: (وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانًا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنًا وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة) (البقرة: 83).
    وفي سورة أخرى: (ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبًا، وقال الله إنى معكم، لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضًا حسنًا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار، فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل) (المائدة: 12).
    وقال على لسان المسيح عيسى في المهد: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا) (مريم: 31).
    وقال تعالى في أهل الكتاب عامة: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيمة) (البينة: 5).
    وإذا نظرنا إلى أسفار التوراة والإنجيل (العهد القديم، والعهد الجديد) - التي بين أيدينا الآن - نجدها تشتمل على كثير من الوصايا والتوجيهات الخاصة بالعطف على الفقراء والمساكين، والبرَّ بالأرامل واليتامى والضعفاء.
    ففي التوراة نقرأ في الإصحاح (21) من سفر الأمثال ما نصه: " مَن يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضاَ يصرخ ولا يستجاب له، الهدية في الخفاء تطفئ الغضب ".
    وفي الإصحاح (22) منه: " الصالح العين هو يُبارَك لأنه يعطى من خبزه للفقير". وفي الفقرة (27) من سفر الأمثال: " من يعطى الفقير لا يحتاج، ومن يحجب عنه عينيه عليه لعنات كثيرة". وفي الإصحاح (15) من سفر التثنية: " إن كان فيك فقير أحد من إخوتك في أحد أبوابك، في أرضك التي يعطيك الرب إلهك؛ فلا تقس قلبك، ولا تقبض يدك عن أخيك الفقير، بل افتح يدك له، وأقرضه مقدار ما يحتاج إليه، أعطه ولا يسؤ قلبك عندما تعطيه، لأنه بسبب هذا الأمر يباركك الرب إلهك في كل أعمالك وجميع ما تمتد إليه يدك، لأنه لا تُفقد الفقراء في الأرض، لذلك أنا أوصيك قائلاَ: افتح يدك لأخيك المسكين والفقير في أرضك". كما ورد في الإصحاح (14) منه: "تعشيرًا تعشر كل محصول زرعك الذي يخرج من الحقل سنة بسنة، في آخر ثلاث سنين تخرج كل عشر محصولك في تلك السنة، وتضعه في أبوابك، فيأتي اللاوي، لأنه ليس له قسم ولا نصيب معك، والغريب واليتيم والأرملة الذين في أبوابك، ويأكلون ويشبعون لكي يباركك الرب إلهك في كل عمل يدك الذي تعمل".
    وكذلك نقرأ في الإنجيل في الفقرة (33) من الإصحاح (13) من إنجيل لوقا: " بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة ".
    وفي الفقرات (10 - 14) من إنجيل لوقا: "من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل هكذا".
    وفي الفقرة (41) من الإصحاح (11): "بل أعطوا ما عندكم صدقة فهو ذا كل شىء، نقيًا لكم".
    وفي الفقرات (12 - 14) من الإصحاح (14): "وقال أيضًا للذي دعاه: إذا صنعت غداءً أو عشاءً فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء، لئلا يدعوك هم أيضًا، فتكون لك مكافأة، بل إذا صنعت فادع المساكين الجدع، العرج، العمى، فيكون لك الطوبى، إذ ليس لهم أن يكافئوك، لأنك تكافأ في قيامة الأبرار".
    وفي الفقرات (1 - 4) من الإصحاح (21): "وتطلع فرأي الأغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة، ورأي أيضًا أرملة مسكينة ألقت هناك فلسين، فقال: بالحق أقول لكم: إن هذه الأرملة ألقت أكثر من الجميع، لأن هؤلاء من غنى ألقوا في قرابين الله، أما هذه فمن إعوازها ألقت كل المعيشة".
    وفي الفقرتين (41، 42) من الإصحاح (5) من إنجيل متى: "من سأل فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده".
    وفي الفقرات (1 - 4) من الإصحاح (6): " احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس، لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدماك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يمجدوا من الناس. الحق أقول لكم: إنهم استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك. علانية ".
    وفي الفقه (42) من الإصحاح (10): "ومن سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ، فالحق أقول لكم: إنه لا يضيع أجره".




    ملاحظات على موقف الأديان من الفقر
    هذه نماذج رائعة من عناية الأديان السابقة بالفقراء وذوى الحاجات. وهذه هي دعوة الكتب السماوية - قبل القرآن - إلى رعايتهم.

    ولكن ينبغي هنا أن نبدي بعض الملاحظات
    1- إن هذه النماذج لا تعدو أن تكون ترغيبًا في الإحسان والعطف، وترهيبًا من الأنانية والبخل، ودعوة جهيرة إلى التصدق الفردي الاختباري.

    2- إنها لم تتمتع بدرجة عالية من الإيجاب والإلزام، بحيث يشعر من تركها أنه ترك شيئًا من أساسيات الدين، يعاقبه الله عليه في الدنيا والآخرة بالعذاب الشديد.

    3- إنها وكلت ذلك إلى أريحية الأفراد , وإلى ضمائرهم، ولم تجعل للدولة سلطانًا عليهم، في التحصيل والتوزيع.

    4- إنها لم تحدد المال الذي تجب منه الصدقة والإحسان، ولا شروطه، ولا مقدار الواجب فيه، وهذا ما يجعل التفكير في تحصيله من قبل الدولة ممتنعًا، إذ كيف تحصل شيئًا غير مقدر ولا محدود.

    5- إن المقصود من الإحسان إلى الفقراء لم يكن هو علاج مشكلة الفقر، واستئصال جذوره، وتحويل الفقراء إلى ملاك، بل كان المقصود لا يتجاوز التقليل من بؤسهم، والتخفيف من ويلاتهم.

    وبهذا نقول: إن الفقراء والضعفاء كانوا تحت رحمة الأغنياء القادرين ومنتهم، إذا حركهم حب الله والآخرة، أو حب الثناء، والمروءة، فجادوا بشيء - ولو قليلاً - على ذوى الضعف والحاجة والفقر، فهم أصحاب الفضل والمنة، وإذا غلب عليهم حب المال وحب الذات، ضاع الفقراء، وافترستهم مخالب الفاقة، ولم يجدوا من يدافع عنهم، أو يطلب لهم حقًا، إذ لم يكن لهم حق معلوم. وهذا هو خطر الإحسان الموكول إلى الأفراد.

    إلى الفهرس



    عناية الإسلام بعلاج الفقر
    أما عناية الإسلام بعلاج الفقر، ورعاية الفقراء وذوى الحاجة والضعف، فلم يسبق لها نظير في ديانة سماوية، ولا في شريعة وضعية، سواء ما يتعلق بجانب التربية والتوجيه، وما يتعلق بجانب التشريع والتنظيم، وما يتعلق بجانب التطبيق والتنفيذ.

    1) عناية القرآن بذلك منذ العهد المكي

    ومن أظهر الأدلة على اهتمام الإسلام بمشكلة الفقر، وعنايته بأمر الفقراء: أنه منذ بزوغ فجر الإسلام في مكة، والمسلمون يومئذ أفراد معدودون، مضطهدون في دينهم، مُحاربون في دعوتهم، ليس لهم دولة ولا كيان سياسي كان هذا الجانب الإنساني الاجتماعي - جانب رعاية الفقراء والمساكين - موضع عناية بالغة، واهتمام مستمر، من القرآن الكريم. ذكره القرآن أحيانًا باسم إطعام المسكين والحض عليه، وأحيانًا تحت عنوان الإنفاق مما رزق الله، وتارة باسم أداء حق السائل والمحروم، والمسكين وابن السبيل، وطورًا بعنوان "إيتاء الزكاة"، وغير ذلك من الأسماء والعناوين.
    وحسبنا أن نقرأ في السور المكية هذه النماذج من آيات الكتاب العزيز:

    2) إطعام المسكين من لوازم الإيمان
    ففي سورة "المدثر" - وهي من أوائل ما نزل من القرآن - يعرض لنا القرآن مشهدًا من مشاهد الآخرة - مشهد أصحاب اليمين من المؤمنين في جناتهم يتساءلون عن المجرمين من الكفرة والمكذبين، وقد أطبقت عليهم النار، فيسألونهم عما أحل بهم هذا العذاب؟ فكان من أسبابه وموجباته: إهمال حق المسكين، وتركه لأنياب الجوع والعرى تنهشه وهم عنه معرضون، قال تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين) (المدثر:38-46).

    ومثل إطعام المسكين: كسوته وإيواؤه ورعاية ضروراته وحاجاته.
    وفي سورة "القلم" يقص الله على عباده قصة أصحاب الجنة الذين تواعدوا أن يقطفوا ثمارها بليل ! ليحرموا منها المساكين الذين اعتادوا أن يصيبوا شيئًا من خيرها يوم الحصاد، فحلت بهم عقوبة الله العاجلة:.
    (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنا اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين فلم رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرًا منها إنا إلى ربنا راغبون كذلك العذاب، ولعذاب الآخرة أكبر، لو كانوا يعلمون) (القلم: 19-33).

    3) الحض على رعاية المسكين
    ولم تقف عناية القرآن المكي عند الدعوة إلى الرحمة بالمسكين، والترغيب في إطعامه ورعايته، والترهيب من إهماله والقسوة عليه، بل تجاوز ذلك، فجعل في عنق كل مؤمن حقًا للمسكين، أن يحض غيره على إطعامه ورعايته، وجعل ترك هذا الحض قرين الكفر بالله العظيم، وموجبًا لسخطه سبحانه وعذابه في الآخرة.

    فيقول تعالى في شأن أصحاب " الشمال " من سورة الحاقة: (وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أُوتَ كتابيه ولم أدرِ ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه) (الحاقة: 25-29).

    ثم يصدر رب العالمين عليه الحكم العادل، بالعقاب الذي يستحقه: (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا فاسلكوه) (الحاقة:30 - 32).

    ولم كل هذا العذاب والهوان والخزي على رؤوس الأشهاد؟: (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين) (الحاقة:33-34). والحض: هو الحث والترغيب والدعاء.
    وهذه الآيات الهادرة بالوعيد، المنذرة بالعذاب، المزلزلة للقلوب، هي التي جعلت مثل أبى الدرداء - رضى الله عنه - يقول لامرأته: "يا أم الدرداء ! إن لله سلسلة لم تزل تغلى بها مراجل النار منذ خلق الله جهنم، إلى يوم تلقى في أعناق الناس، وقد نجانا الله من نصفها بإيماننا بالله العظيم، فحضي على طعام المسكين يا أم الدرداء" (الأموال: ص 350). ولم ترَ الدنيا كتابًا قبل القرآن يجعل ترك الحض على رعاية المسكين من موجبات صلى الجحيم والعذاب الأليم !!. وفي سورة " الفجر " خاطب الله أهل الجاهلية الذين كانوا يزعمون أن لهم دينًا يقربهم إلى الله زلفى، وأنهم على شئ من ديانة أبيهم إبراهيم. فقال تعالى زاجرًا لهم رادعًا: (كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين) (الفجر: 17 - 18).. والتحاض تفاعل من الحض، فمعنى " تحاضون ": يحض بعضكم بعضًا، وفيه دعوة للمجتمع إلى التضامن والتعاون على رعاية المسكين والعناية بأمره. قال الشيخ محمد عبده: " وإنما ذكر التحاض على الطعام ولم يكتف بالإطعام، فيقول: ولم تطعموا المسكين، ليصرح لك بالبيان الجلي: أن أفراد الأمة متكافلون، وأنه يجب أن يكون لبعضهم على بعض عطف بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع التزام كل ما يأمر به، وابتعاده عما ينهي عنه" (تفسير جزء عم ص83- ط. ثالثة مطبعة مصر).
    وفي سورة "الماعون" جعل قهر اليتيم، وإضاعة المسكين، من لوازم الكفر والتكذيب بيوم الدين. قال تعالى: (أرأيت الذي يكذب بالدين؟) (الماعون:1).. والخطاب لكل من يفهم الخطاب، أي هل تبينت من هو المكذب بالدين؟ إن لم تكن تبينته: (فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين) (الماعون: 2 - 3).
    قال الشيخ: "الحض على طعام المسكين: الحث عليه، ودعوة الناس إليه، والذي لا يحض على إطعام المسكين لا يطعمه في العادة، فقولهعناية الأديان برعاية الفقراء Icon_sadولا يحض على طعام المسكين).. كناية عن الذي لا يجود بشيء من ماله على الفقير المحتاج إلى القوت، الذي لا يستطيع له كسبًا، وإنما جاء بالكناية، ليفيدك أنه إذا عرضت حاجة المسكين ولم تجد ما تعطيه، فعليك أن تطلب من الناس أن يعطوه. وفيه حث للمصدقين بالدين على إغاثة الفقراء ولو بجمع المال من غيرهم، وهي طريقة الجمعيات الخيرية، فأصلها ثابت في الكتاب بهذه الآية، وبنحو قوله تعالى في سورة "الفجر": (كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين) (الفجر: 17 - 18).
    ونعمت الطريقة هي ! لإعانة الفقراء وسد شئ من حاجات المساكين (تفسير جزء عم ص162).

    ثم قال تعالى تفريعًا على تعريف المكذب بيوم الدين: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) (الماعون: 4-7).
    قال ابن كثير في تفسيره: "أي لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه، ورجوعه إليهم، فهؤلاء بمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى" (ابن كثير: 4/555 - ط. الحلبي). فمثل أولئك لا تنفعهم صلاتهم، ولا تنقلهم إلى زمرة المصدقين بالدين.

    4) حق السائل والمحروم والمسكين وابن السبيل
    وفي سورة "الذاريات" ذكر الله المتقين الذين استحقوا عنده الجنات والنعيم، فكان من أبرز أوصافهم:

    (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) (الذاريات: 19).. والسائل هو الذي يبتدئ بالسؤال وله حق، والمحروم من لا مال له ولا كسب ولا حرفة يتقوت منها. فقد أدرك هؤلاء المتقون أن أموالهم ليست ملكًا لهم يستأثرون به، وإنما فيها جزء لغيرهم من المحتاجين، ليس هبة منهم إليهم، ولا تفضلاً منهم عليهم، بل هو " الحق " لهم، لا هوان فيه على الآخذ، ولا مَنٌّ فيه من الدافع.
    وفي سورة " المعارج " إعادة لهذا الوصف بزيادة كلمة أخرى عليه، وقد جاء ذلك في صفات المؤمنين، الذين انتصروا بقوة إيمانهم وأخلاقهم على ضعف الإنسان الذي: (خلق هلوعًا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) (المعارج: 19 - 25).
    فهنا قد وصف الحق الذي في أموالهم بأنه "معلوم" وهذا ما جعل بعض العلماء يقولون: إنه الزكاة، لأنها الحق المعلوم المقدر في أموال الأغنياء. وهم يعلمون ويذكرون أن السورة مكية ولا شك، والزكاة المعروفة لم تُفرض إلا في المدينة، كما سنعرف. وما الحق المعلوم هنا إلا أنه جزء مقسوم، قد فرضوه على أنفسهم وعينوه للسائل والمحروم (انظر ابن كثير: 4/234) فالفرق بين هذا الحق وبين الزكاة أن هذا معلوم بتحديدهم وتقديرهم أنفسهم، أما الزكاة فمعلوم بتحديد الشارع وتقديره.
    وفي سورتي "الإسراء" و "الروم" يقول تعالى: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرًا) (الإسراء: 26)، (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجه الله) (الروم: 38).
    وبهذا غرس القرآن في روح المسلم منذ أوائل العهد المكي، أن للقريب والمحتاج "حقه" المحتوم في ماله، يجب عليه أداؤه وجوبًا، وليس مجرد صدقة تطوعية، يدفعها إن شاء، ويتركها متى شاء.

    5) حق الزرع عند الحصاد

    وفي سورة " الأنعام " قال عز وجل: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفًا أكله والزيتون والرمان متشابهًا وغير متشابه، كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده، ولا تُسرفوا، إنه لا يحب المسرفين) (الأنعام: 141).
    فَنَبَّه الله عباده بهذه الآية على أن فيما تُخرج الأرض من زرع وثمر: حقًا لازمًا، يجب إيتاؤه يوم الحصاد.

    عن سعيد بن جبير قال: كان هذا قبل أن تنزل الزكاة: "الرجل يعطى من زرعه، ويعلف الدابة، ويعطى اليتامى والمساكين، ويعطى الضغث".
    فهذا حق مطلق غير مقيد بعشر أو نصف عُشر، بل هو متروك لإيمان صاحب الزرع والثمر، وحاجة المساكين من حوله، وعرف الناس في بلده، ثم بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصاب هذا الحق، ومقداره في المدينة، بما أوجبه من العُشر أو نصفه، فيما بلغ خمسة أوسق من الحب والثمر، وقد سمى بعضهم هذا البيان نسخًا لما كان في مكة. ولكنه ليس النسخ المصطلح عليه عند المتأخرين. كما سنبين ذلك في "زكاة الزروع والثمار".





    إيتاء الزكاة في مكة

    هذه جملة من أساليب القرآن المكي، في الدعوة إلى رعاية الفقراء والمساكين، وإيتائهم حقوقهم من المال، حتى لا يضيعوا في مجتمع من المؤمنين.

    وقد توجت هذا الأساليب بأسلوب آخر هو "إيتاء الزكاة" ثناء على فاعليها أو ذمًا لتاركيها، كما نرى ذلك واضحًا في مجموعة من سور القرآن المكية.
    ففي سورة "الروم" يأمر الله تعالى بأداء حق القريب والمسكين، وابن السبيل، ويوازن بهن أثر الربا الذي يزيد المال في الظاهر، وينقصه في الحقيقة - وبين أثر الزكاة - التي تنقص المال ظاهرًا وتنمية باطنًا - يقول الله تعالى: (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجه الله، وأولئك هم المفلحون وما آتيتم من ربًا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) (الروم: 38 - 39).وفي مطلع سورة "النمل" وصف الله المؤمنين الذي جعل كتابه هدى لهم وبشرى فقال: (تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون) (النمل: 1-3). وفي عطف إيتاء الزكاة على إقامة الصلاة دليل على أنها زكاة المال، كما هي سنة القرآن . وفي مطلع سورة "لقمان" قال: (هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) (لقمان: 3 - 4).... الآية.

    وما قيل في الآية السابقة يقال هنا. وقال في سورة "المؤمنين" يبين أوصاف المؤمنين الذين يرثون الفردوس: (والذين هم للزكاة فاعلون) (المؤمنون: 4).
    وفي سورة "الأعراف" أثناء ذكره تعالى لقصة موسى وقومه قال: (ورحمتي وسعت كل شئ، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) (الأعراف: 156 - 157). وفي سورة "فصلت" توعد الله المشركين، وذكر أخص أوصافهم، فكان عدم إيتاء الزكاة والكفر بالآخرة. قال سبحانه: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون) (فصلت: 6 - 7). فإذا كان المؤمنون المحسنون يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون، فهؤلاء لا يؤتون الزكاة وبالآخرة هم كافرون. وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالزكاة هنا: زكاة النفس وطهارتها من الرذائل، وعلى رأسها الشرك. كقوله تعالى: (قد أفلح من زكاها) الشمس: 9، (قد أفلح من تزكى) (الأعلى:14). وذلك فرار من القول بالزكاة المالية التي اشتهر أنها لم تشرع إلا بالمدينة. ورد ابن جرير الطبري هذا القول واختار أن المعنى: لا ينفقون من أموالهم زكاتها، ومما استدل به على ذلك: اشتهار لفظ "الزكاة" في زكاة المال (انظر تفسير الطبري: 24/93 - ط. الحلبي). ومما يؤيد اختيار الطبري: اقتران الزكاة بالإيتاء، والإيتاء هو: الإعطاء، وأولى شئ بذلك هو زكاة المال. والملاحظ في حديث السور المكية عن "الزكاة": أنها لم توردها بصيغة "الأمر" الدال على الوجوب دلالة مباشرة، ولكنها أوردتها في صورة خبرية باعتبارها وصفًا أساسيًا للمؤمنين والمتقين والمحسنين (يُستثنى من ذلك ما جاء في الآية الأخيرة من سورة المزمل: (فاقرأوا ما تيسر منه، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وهذا على القول بأنها مكية، كما هو مذهب بعض العلماء، ويرى آخرون أنها مدنية، معضدين ذلك بمضمون الآية واختلاف حجمها وفاصلتها عن بقية آيات السورة.)، الذين يؤتون الزكاة أو الذين هم للزكاة فاعلون، والذين خصهم الله بالفلاح: (وأولئك هم المفلحون) (الروم: 38)، كما أخبر أن تركها من خصائص المشركين: (الذين لا يؤتون الزكاة) (فصلت: 7).
    وإذا كان إيتاء الزكاة من الأوصاف الأساسية للمؤمنين المفلحين، وتركها من الأوصاف اللازمة للمشركين، فذلك يدل على الوجوب، إذ التحلي بصفات المؤمنين، والخروج عن خصائص المشركين، أمر واجب لا نزاع فيه. يضاف إلى ذلك الأمر في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) (الأنعام: 141).

    الزكاة في العهد المكي زكاة مطلقة
    ولكن المعروف في تاريخ التشريع الإسلامي: أن الزكاة فرضت في المدينة. فكيف يتفق هذا وذكر القرآن لها في آيات كثيرة من سوره المكية؟.
    والجواب: أن الزكاة التي ذكرت في القرآن المكي، لم تكن هي بعينها الزكاة التي شرعت بالمدينة، وحددت نصبها ومقاديرها، وأرسل السعاة لجبايتها وصرفها، وأصبحت الدولة مسئولة عن تنظيمها. الزكاة في مكة كانت زكاة مطلقة من القيود والحدود، وكانت موكولة إلى إيمان الأفراد وأريحيتهم وشعورهم بواجب الأخوة نحو إخوانهم من المؤمنين. فقد يكفي في ذلك القليل من المال، وقد تقتضي الحاجة بذل الكثير أو الأكثر. وقد استنتج بعض الباحثين من تعبيرات القرآن في السور المكية: (حقه) (الإسراء: 26) و(حق للسائل والمحروم) (الذاريات: 19) و (حق معلوم) (المعارج: 24).. في الآيات، أنها يمكن أن تلهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حدد مقادير معينة على أموال القادرين من المسلمين زكاة عن أموالهم المتنوعة (سيرة الرسول - صورة مقتبسة من القرآن الكريم تأليف محمد عزة دروزة 2/341).
    ولكن لم ينقل ما يؤيد هذا الاستلهام، بل نقل ما يخالفه. ولم تكن هناك حاجة إلى هذا التحديد، والقوم يبذلون أنفسهم وكل ما بأيديهم. وليس من الضروري ألا يكون الحق معلومًا إلا بتعيين النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل يصح أن يكون معلومًا بتعيين المنفق نفسه، كما ذكر المفسرون، أو بتعيين العرف حسب المصلحة والحاجة.
    قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة "المؤمنين" عند قوله تعالى: (والذين هم للزكاة فاعلون) (المؤمنون:4): "الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة، في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة. قال تعالى في سورة الأنعام - وهي مكية: (وآتوا حقه يوم حصاده) (تفسير ابن كثير 3/238، 239 - ط. الحلبي، والآية من سورة الأنعام: 141).
    وهذا الذي استظهره هنا تعضده الآيات الكثيرة التي سقناها.





    الزكاة في العهد المدني

    كان المسلمون في مكة أفرادًا مصادرين في دعوتهم. أما في المدينة فهم جماعة لها أرض وكيان وسلطان. فلهذا اتخذت التكاليف الإسلامية صورة جديدة ملائمة لهذا الطور: صورة التحديد والتخصيص، بعد الإطلاق والتعميم، صورة قوانين إلزامية بعد أن كانت وصايا توجيهية فحسب، وأصبحت تعتمد في تنفيذها على القوة والسلطان، مع اعتمادها على الضمير والإيمان. وظهر هذا الاتجاه المدني في الزكاة: فحدد الشارع الأموال التي تجب فيها، وشروط وجوبها، والمقادير الواجبة، والجهات التي تصرف لها وفيها، والجهاز الذي يقوم على تنظيمها وإدارتها.

    القرآن المدني يؤكد وجوب الزكاة ويبين بعض أحكامها
    جاء القرآن المدني فأعلن وجوب الزكاة بصيغة الأمر الصريح، ودعا بصورة واضحة إلى إيتائها، فترى في سورة البقرة، هذه العبارة: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (البقرة: 110).. كما جاء تأكيد وجوبها بصيغ وأساليب شتى. والمجال هنا فسيح، ولكنى أختار سورة واحدة لعرض أهم ما جاء فيها عن الزكاة، وهي سورة التوبة، لأنها من أواخر ما نزل من القرآن.

    سورة التوبة نموذج للقرآن المدني في العناية بالزكاة

    ( أ ) في مطالع هذه السورة التي أمر الله فيها بقتال المشركين، الناكثين للعهود، الذين ضرب لهم مهلة أربعة أشهر، يسيحون فيها في الأرض ويختارون لأنفسهم، قال تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم) (التوبة:5).
    فهذه ثلاثة شروط للكف عن قتال هؤلاء وتخلية سبيلهم.
    أولها: التوبة عن الشرك، ودليله أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
    ثانيها: إقامة الصلاة المفروضة على المسلمين، وهي مظهر الأيمان وأعظم أركان الإسلام المطلوبة في كل يوم من الأيام، والفيصل بين المسلم والكافر، وهي الرابطة الدينية الروحية الاجتماعية بين المسلمين.
    ثالثها: إيتاء الزكاة المفروضة في أموال الأغنياء لذوى الحاجات، ولمصلحة الأمة العامة، وهي الرابطة المالية الاجتماعية السياسية بين جماعة المسلمين.

    (ب) وبعد ست آيات من السورة نفسها قال الله تعالى في شأن قوم آخرين من المشركينعناية الأديان برعاية الفقراء Icon_sadفإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين، ونفصل الآيات لقوم يعلمون) (التوبة: 11).
    فلا يتحقق لكافر الدخول في جماعة المسلمين، وتثبت له أخوتهم الدينية، التي تجعله فردًا منهم له ما لهم، وعليه ما عليهم، وتربطه بهم رباطًا لا تنفصم عراه - إلا بالتوبة عن الشرك وتوابعه وإقامة الصلوات التي بها يلتقي المسلمون على طاعة الله، ويتعارفون ويتحابون، وإيتاء الزكاة التي بها يتواسون ويتكافلون. وقد نبه العلماء منذ عهد الصحابة - رضى الله عنهم - على أمر جدير بالذكر، وهو: أن سنة القرآن أن يقرن الزكاة بالصلاة، وقلما تنفرد إحداهما عن الأخرى.
    قال عبد الله بن مسعود: "أمرتم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومن لم يُزَكِّ فلا صلاة له" (تفسير الطبري: 14/153 - ط. المعارف). وقال ابن زيد: " افترضت الصلاة والزكاة جميعًا، لم يفرق بينهما، وقرأ: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة. وقال رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه" (تفسير الطبري: 14/153 - ط. المعارف - والآية من سورة التوبة:11) يعنى بذلك قوله: "لا أفرق بين شيئين جمعهما الله".

    (جـ) وفي السورة ذكر الله تعالى عمار مساجده الذين هم أهل القبول عنده، فقال تعالىعناية الأديان برعاية الفقراء Icon_sadإنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) (التوبة: 18).
    فلم يجعلهم أهلاً للقبول عنده - وإن عمروا مساجده - حتى يؤمنوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.

    ( د ) وفي السورة ذكر الله تعالى وعيده الشديد لكانزي الذهب والفضة الذين لا يؤدون منها حق الله، فقال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) (التوبة: 34 - 35). قال العلماء: إنما عظم الوعيد في الباب، لما في جبلات العباد من الشح على المال والبخل به، فإذا خافوا من عظيم الوعيد لانوا في أداء الطاعة (أحكام القرآن لابن العربي قسم 2 ص924).

    (هـ) وفي السورة بيان للأشخاص والجهات التي تصرف لها، وفيها الصدقات... وكان هذا البيان ردًا على الطامعين الشرهين الذين سال لعابهم للأخذ من أموال الزكاة بغير حق، قال تعالى: (ومنهم - أي من أهل النفاق - من يلمزك في الصدقات فإن أُعْطوا منها رَضُوا وإن لم يُعْطَوا منها إذا هم يسخطون ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله، والله عليم حكيم) (التوبة: 58 - 60). وبهذه الآية الحاسمة قطع الله أطماع الطامعين، وسد أفواه الشرهين، ولم يجعل توزيع الزكاة تبعًا لرغبة طامع، أو هوى حاكم، بل تولى قسمتها بنفسه على مصارفها الثمانية، ومن أعدل من الله فيما قسم؟ (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) (المائدة: 50).
    وفي الآية دلالة على أن الزكاة تجبى وتصرف بواسطة " العاملين عليها " مما يبين لنا أن الزكاة تتولاها الحكومة لا الأفراد - كما سنفصل ذلك بعد.

    ( و ) وفي السورة بيان لمقومات المجتمع المؤمن، إذ يقول تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم) (التوبة: 71). فجعل الله الزكاة أحد المقومات التي يتميز بها المؤمنون عن المنافقين، الذين وصفهم الله قبل ذلك بآيات بقولهعناية الأديان برعاية الفقراء Icon_sadالمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم، إن المنافقين هم الفاسقون) (التوبة: 67). فهؤلاء يقبضون أيديهم حرصًا وشُحًّا، فاستحقوا نسيان الله (أي تركه لهم وتخليه عنهم). أما أولئك المؤمنون فيبسطون أيديهم بذلاً وإيمانًا، فاستحقوا أن يرحمهم الله.

    (ز) وفي السورة خاطب الله رسوله، وكل من يقوم بأمر الأمة من بعده، فقال عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تُطَهِّرهم وتُزَكِّيهم بها وصلِّ عليهم، إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم) (التوبة: 103). قال المفسرون في هذه الآية: (خُذ من أموالهم صدقة): أدخل "من" على الأموال للتبعيض، لأن الصدقة المفروضة ليست جميع المال، وإنما هي جزء منه. وإنما قال: "من أموالهم"... ولم يقل من مالهم، ليكون مشتملاً على أجناس المال كلها، والضمير في "أموالهم" يعود إلى كافة المسلمين كما عليه جمهور أهل التفسير.

    وهذا دليل على وجوب الأخذ من أموال جميع المسلمين، لاستوائهم في أحكام الدين (انظر تفسير مجمع البيان للطبرسي في تفسير الآية من سورة التوبة).
    والآية تدل على أن الزكاة يأخذها الإمام أو نائبه، كما صدقت ذلك السنة والتطبيق العملي للخلفاء الراشدين. وسنفصل ذلك في باب "أداء الزكاة ".
    وقد تعلق المتمردون المانعون للزكاة في عهد أبى بكر بظاهر هذه الآية، وقالوا: إنها خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيقتضي بظاهره اقتصاره عليه، فلا يأخذ الصدقة سواه. وقد رد العلماء عليهم هذه الشبهة الواهية، وهذا الزعم الساقط، كما سنبين ذلك قريبًا.
    وقال بعض العلماء: إن الصدقة في الآية المذكورة لا تعنى الزكاة، فهي واردة فيمن تخلف عن غزوة تبوك، ممن خلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا، فالضمير عائد إليهم، والصدقة المأخوذة منهم لتكفير ذنوبهم، فهي كصدقة النفل، وهي خاصة بهم كما يشعر به السياق، وليس مما تكون العبرة فيه بعموم اللفظ لا خصوص السبب عند الأصوليين، وأما الواجبة فهي لا تخصهم، ولا يصلح تخلفهم سببًا لها، لأن الزكاة من حق الإسلام، لا من موجبات الجنايات (الروض النضير: 2/410) وهذا هو اختيار الطبري، ونقله عن عدد من أهل التأويل (تفسير الطبري: 14/454 - 456 - ط. المعارف). ولكن رجح كثير من المفسرين أن المراد بالصدقة في الآية: "الزكاة". وجمهور السلف والخلف استدلوا بها على جملة أحكام في باب الزكاة، مما يدل على أن السياق غير مانع من إرادة الزكاة على سبيل الاستئناف، إذ ارتباط الآية بما قبلها وما بعدها ليس لازمًا إلا بدليل، وهذا مروى عن ابن عباس، وهو قول عكرمة فيما ذكر القشيري (تفسير القرطبي: 8/244، وانظر في ذلك تفسير ابن كثير: 2/385، 386، وأحكام القرآن لابن العربى ص997 - 998، والتفسير الكبير للفخر الرازي: 16/177 وما بعدها، ومحاسن التأويل للقاسمي: 8/3253).
    على أن هناك وجهًا مناسبًا للارتباط ذكره الرازى، وهو أن الزكاة كانت واجبة عليهم، فلما تابوا من تخلفهم، وحسن إسلامهم، وبذلوا الزكاة: أمر الله رسوله أن يأخذها منهم، حيث لم تقبل الزكاة من بعض المنافقين (راجع تفسير الرازي والقاسمي المذكورين).
    وعلى أن خصوص سببها لا ينافي عموم لفظها، كما هو الصحيح عند الأصوليين.

    وأبرز دليل على أن المراد بها "الزكاة": استدلال المانعين لها في عهد الصِّدِّيق بالآية، وتشبثهم بأن الخطاب فيها خاص بالرسول - كما ذكرنا وسنذكره بعد - ولم يرد عليهم أحد من الصحابة - وهم أعرف بالآية وما نزلت فيه - بأن الآية في غير الصدقة الواجبة، وكذلك علماء الأمة من بعدهم، وكل ما قالوه: إن الخطاب عام للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكل من يقوم بالأمر من بعده (انظر تفسير ابن كثير والقاسمي المذكورين).
    ومن القرائن على أن المراد بالصدقة في الآية: "الزكاة" ؛ ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض فتيان بنى هاشم ممن طلب منه أن يوليه على عمالة الزكاة فقال: "إنها لا تحل لنا آل محمد، إنما هي أوساخ الناس".
    فهذه العبارة المجازية التصويرية تومئ إلى العلاقة بينها وبين قوله تعالى في الآية: (تطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة: 103).
    ومما يقوى ذلك أيضًا ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبى أوفي قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى بصدقة قوم صلى عليهم، فأتاه أبى بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبى أوفي".
    فيفهم منه أن هذا تطبيق من الرسول الكريم لأمر ربه في الآية الكريمة: (وصل عليهم). أي: ادع لهم.
    ومن الآية استدل كافة العلماء على أنه ينبغي للإمام أو نائبه أن يدعو لمعطى الزكاة.
    ذلك أهم ما جاء في سورة "التوبة" عن الزكاة، وهي تمثل بوجه عام اتجاه القرآن المدني، في تأكيد وجوب الزكاة وبيان أهم أحكامها.
    إن الإنسان في نظر القرآن لا ينال البر، ولا يستحق وصف الأبرار الصادقين ولا يدخل في زمرة المتقين، ولا ينتظم في سلك المؤمنين إلا بإيتاء الزكاة.
    بغير الزكاة لا يفارق المشركين، الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون.
    وبغير الزكاة لا يتميز من المنافقين الذين يقبضون أيديهم، ولا ينفقون إلا وهم كارهون.
    وبغير الزكاة لا يستحق رحمة الله التي أبى أن يكتبها لمانعي الزكاة: (ورحمتي وسعت كل شئ، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) (الأعراف: 156).
    وبغير الزكاة لا يستحق ولاية الله ولا رسوله ولا المؤمنينعناية الأديان برعاية الفقراء Icon_sadإنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (المائدة: 55 - 56).
    وبغير الزكاة لا يستحق نصر الله الذي وعد به من نصره: (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوى عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور) (الحج: 40 - 41) .





    السنة تؤكد وتبين ما أجمله القرآن

    القرآن دستور الإسلام ومرجعه الأساسي، لهذا اشتمل على القواعد الكلية، والمبادئ العامة، ولم يتعرض للجزئيات والتفصيلات إلا فيما يخشى أن تضطرب فيه الآراء، وتضل عنه الأهواء. أما السنة فهي البيان القولي، والتطبيق العملي للقرآن: تفسر ما أبهمه، وتفصل ما أجمله، وتحدد ما أطلقه، وتخصص ما عممه، وفقًا لما فهم الرسول المعصوم عن ربه. وقد قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (النحل: 44). وفي الزكاة جاءت السنة بتأكيد ما جاء به القرآن من وجوب الزكاة، وذلك منذ العهد المكي. نجد جعفر بن أبى طالب المتحدث باسم المسلمين المهاجرين إلى الحبشة يخاطب النجاشي ويخبره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول له فيما قال له: " ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام " (رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث أم سلمة). والمراد بذلك مطلق الصلاة والصيام والزكاة، لا الصلوات الخمس، ولا صيام رمضان، ولا الزكاة المخصوصة ذات النصب والحول؛ إذ أن هذه الفرائض المحددة لم تكن شرعت بعد (فتح الباري: 3/171). أما في المدينة فقد كانت مجالاً رحبًا للحديث عن فريضة الزكاة: لتحديد نصبها ومقاديرها وشروطها، ولبيان مكانتها، والترغيب في أدائها، والترهيب من منعها، ولإعطاء الصور العملية لتنفيذها.



      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 8:10 am